حتى نلتقي - ذئب وكلب!

بقلم: يوسف ابو جعفر | 29 أغسطس 2025

في العادة نقوم باستعارة الأشياء من محيطنا، ومن بينها الأسماء. لذلك أخذت كثيرٌ من الحضارات من محيطها أسماءً وجدت فيها خصالًا تعجبها. لا أعرف مدى تسمية الأفارقة لأبنائهم باسم "أسد"، ولكني أتخيلهم يفعلون ذلك ويرحبون به. نحن في الشرق نهجنا على ذلك، فأخذنا من أسماء الطيور والحيوانات ما نرى فيه مناسبًا لنا؛ من أسماء الأسد وتعدّينا إلى ذريته، وكذلك فعلنا مع الطيور الكبيرة أمثال النسر. ويمكنكم النظر حولكم لتجدوا كم من أسماء الحيوانات والطيور حولنا.

حيوانٌ وحيدٌ قرّر العرب الابتعاد عن تسميته في العصر الحديث، رغم أنّه في الماضي كان يُكنّى به كثيرون، وحتى بتصغير الاسم كانوا يطربون. هذا الحيوان أقربها إلى الإنسان وله مكانة عنده، ولكنها محدودة الضمان نظرًا لمكانته التي حدّدها الدين: الكلب.

في حين يعتبر الأمريكي ذلك صفة الصداقة المتينة، بوصفك لرفيق القتال بالكلب، ننأى نحن في الشرق عن ذلك، ونقبل أن يوصف الواحد الآخر بالذئب أو "ذيب" بلهجة أهل البادية. ففي نظرنا الذئب يُقتدى به، أمّا الكلب فلا. بل إذا نعتَّ أحدهم بالكلب فابشر بمصيبة ومشكلة لا تعلم كيف تنتهي.

والحقيقة أني في طفولتي أدركت الكلاب حولنا؛ فمجرّد وجود الأغنام يحتم عليك اقتناء كلب ليحرسها من الذئب، ذلك الذي نتسمى به. ووجدتُ من لديه كلبٌ آخر للصيد، كلب السلوقي، وهذا الأخير يعشق النوم والمطاردة. ينطلق كالسهم خلف الطريدة، ولا يتوقف إلا لاهثًا وقد وقف الصياد ليمسك بالفريسة، وقد يحصل هو في نهاية الأمر على كسرة خبز أو عظم متأخرًا. في شرقنا لم نتعرّف على أنواع الكلاب إلا حديثًا، عندما غزتنا الكلاب الغربية الضخمة أمثال الدوبرمان والروتفايلر، وهذه كلاب حراسة متوحشة، منظرها مخيف، لا يقترب منها إلا مجنون، لذلك يقتنيها أصحاب المصالح الكبيرة.

ورغم وجود هذه النوعيات، ورغم وفاء الكلاب، إلا أننا والغرب نسمي الأبناء بالذئب وليس بالكلب. ولمن يريد أن يتعمّق: ففي اللغات الأخرى تُنهج مثلنا؛ تنأى عن تسميته بالكلب، إلا في حالات نادرة كما ذكرت آنفًا، وليس تسمية بل صفة لحالة.

قد أطلتُ في المقدمة، ولم يكن الهدف شرح درس في أنثروبولوجيا الأسماء، بل في شيء شغلني: لماذا، رغم كل الصفات، قررنا أن الكلب تسمية سيئة؟

أعتقد أن ذلك يعود لتعدد جوانب قدرات الكلاب وقلّتها عند الذئاب. فالذئب شجاع وقائد، ويهوى عيش المجموعة، له نظام قديم يسير فيه، يبتعد عن البشر، لا يألفهم ولا يريد قربهم، يسطو عليهم ويذهب.

أمّا الكلب فهو وفيّ وخائن، شجاع وجبان، ألعوبة وتسلية، مطيع وغادر. وهكذا فيه المتناقضات. ولذلك فمن الطبيعي أن كثيرًا من صفات البشر فيها أكثر من عالم الكلاب. ولهذا قد تسمع بدويًا يقول: “زقمه زي زقم السلق”، أو “بعيد منك خاين زي الكلب”، أو يصف حالة لمعالجة خلاف: “زرّة الكلب ولا قتلته”.

ويبقى السؤال معلّقًا: بما أن الكلاب والذئاب جاءت من فصيلة واحدة، هل اكتسبت الكلاب صفات البشر وبقيت الذئاب على طبعها؟ لذلك يمكنك مشاهدة البشر في صفاتهم المتعددة، ولهذا ينعت البشر بعضهم بصفات دونية يطلقون عليها أسماء الكلاب. فهذا “ظيخ”، وذاك “سلق”، وآخر “عكل” و”جرو”… وفي كل ثقافة يزداد الأمر أو ينقص.

وحتى نلتقي: في حياتنا سنلتقي بكثير من أنواع البشر؛ الوفي، الصادق، المؤدب، الخلوق، الأمين، والشجاع. وآخرين أصحاب صفات السوء؛ الكاذب، المنافق، الشرير، الخائن، المخادع، النذل، والحقير. جميعهم بشر، أخذت الحيوانات منهم الصفات، وليس العكس.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة2007 ، يرجى ارسال رسالة: editor@yomalbadya.com - واتس-آب 972549653332

للحصول على الأخبار أونلاين تابع قناة يوم البادية على الواتساب WhatsApp