إسرائيل في قلب حزب الله... تفاصيل عملية الاختراق التي أطاحت بالقيادات

5 تشرين الأول 2024

أثير الكثير من الجدل حول قدرة الجيش الإسرائيلي على اختراق حزب الله والوصول إلى كافة التفاصيل التي ساعدته على اغتيال معظم قيادات الصف الأول، بما فيهم كذلك الأمين العام للحزب حسن نصر الله.

في الوقت نفسه، فإن الجيش الإسرائيلي لم يتوقف عن استهداف أماكن الحزب حتى أنه مستمر في قصف أمكنة، يقول عنها إنّها تخص جهاز استخبارات حزب الله في العاصمة اللبنانية بيروت.

تطورات الأحداث على الأرض، ترسخ طيلة الوقت قدرة الجيش الإسرائيلي على الوصول لكل أهدافه داخل حزب الله بسهولة، وقد استطاع الجيش الإسرائيلي بعد اغتيال حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله وبعد محاولة اغتيال القيادي الكبير في الحزب هاشم صفي الدين، أن يقتل عضواً كبيراً في ذراع المخابرات التابع لحزب الله يُدعى حسن خليل ياسين، خلال غارة على جنوب بيروت.

وقد أعلن الجيش الإسرائيلي أنه استهدف مقر مخابرات حزب الله في بيروت، وأنه يعمل على تقييم الأضرار الناجمة عن الهجوم الذي وقع الجمعة بعد سلسلة من الضربات على شخصيات بارزة في الجماعة.

في حين أوضح الجيش الإسرائيلي في بيان له أن طائراته الحربية قصفت، استناداً إلى معلومات استخباراتية دقيقة، مواقع تابعة لركن الاستخبارات في حزب الله داخل بيروت. وأكد البيان أن الغارات أصابت وحدات وأجهزة جمع المعلومات، ومقرات القيادة، وبنى تحتية أخرى.

وأشار الجيش الإسرائيلي إلى أن "ركن الاستخبارات" في حزب الله يعتبر المؤسسة المركزية المسؤولة عن بناء الصورة الاستخباراتية لحزب الله بشأن إسرائيل وجيشها، وهو يقود الجهود الاستخباراتية في مواجهة إسرائيل ويمتلك قدرات استراتيجية لجمع المعلومات.

وجاء في بيان الجيش الإسرائيلي: "قبل فترة قصيرة، قامت طائرات مقاتلة تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي، بناءً على معلومات استخباراتية للجيش الإسرائيلي، بضرب أهداف تابعة لمقر استخبارات حزب الله في بيروت، بما في ذلك نشطاء ينتمون إلى الوحدة، ووسائل جمع المعلومات الاستخبارية، ومراكز القيادة، والبنية التحتية الإضافية".

وأضاف الجيش الإسرائيلي في البيان: "جهاز الاستخبارات هذا هو جهاز الاستخبارات الرئيسي لحزب الله وهو مسؤول عن جمع المعلومات الاستخباراتية عن الجيش الإسرائيلي ودولة إسرائيل".

مصدر إيراني مقرب من مستشار الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان للشؤون الاستراتيجية، جواد ظريف، قال لـ"عربي بوست" إن عملية الاختراق التي قام بها الجيش الإسرائيلي لصفوف حزب الله الأولى هي عملية معقدة وتراكمية للغاية.

قال المصدر الإيراني المقرب من دوائر صنع القرار داخل إيران إن الاختراق تم بالكامل عبر شبكة الاتصالات الهاتفية في إيران، وأشار إلى أن عائلات القيادات في حزب الله لديهم جميعاً تليفونات حديثة "سمارت فون"، ويتواصلون من خلالها مع دوائرهم الاجتماعية. وقد استطاع الجيش الإسرائيلي في المرحلة الأولى من عملية الاختراق أن يخترق كل هواتف عائلات الصف الأول من قيادات حزب الله من الزوجات والأبناء وأبناء العمومة، وقام برصد كل المحادثات التي تخص القيادات على لسان زوجاتهم وأولادهم وتخزينها لفترات طويلة.

الأمر الثاني الذي أشار إليه المصدر الإيراني هو استخدام تطبيق "واتس اب" في المحادثات بين عائلات قيادات حزب الله ودوائرهم الاجتماعية، وأن هذا التطبيق تم اختراقه من جانب الجيش الإسرائيلي وحصل على كافة التفاصيل المدرجة في كل رسائل المحادثات بين عائلات قادة حزب الله على فترات طويلة في السنوات الماضية.

يشير المصدر الإيراني إلى أن الإيرانيين التفتوا إلى خطورة واتس اب، وقاموا بحظره على نطاق واسع وقد أوصوا كل قيادات النظام الإيراني بألا يتعاملوا مع الواتس في أي أمور هامة أو رسائل تخص العمل سواء في السياسة أو في الجانب العسكري.

يقول إن الاختلاف بين إيران ولبنان أن إيران تحاول حجب كل تطبيقات التكنولوجيا الغربية وتطوير شبكاتها الداخلية لكن شبكة الاتصال اللبنانية بالكامل هي تحت الإشراف الأميركي ولا تستطيع لبنان مواجهة ذلك.

قال كذلك إن الجيش الإسرائيلي بعد تجميع كافة البيانات والرسائل من هواتف عائلات القيادات الأولى بدأ في المرحلة الثانية من تتبع قيادات الحزب، اعتمادًا على رسائل العائلات على الهواتف، وقام باستخدام تكنولوجيا حديثة لتحديد أماكن القيادات.

أشار كذلك إلى أن كاميرات مراقبة المنازل في الضاحية الجنوبية كانت من الأسباب التي كشفت قيادات الحزب، إذ أن المئات من اللبنانيين المقيمين خارج لبنان يضعون كاميرات مراقبة أمام منازلهم لمراقبة منازلهم وهم خارج إيران وقد استطاع الجيش الإسرائيلي اختراق هذه الكاميرات والاستفادة من مخزونها التي قامت بتوثيقه من فيديوهات وسجلته.

لكن المصدر الإيراني، يشير إلى أن هناك أزمة في حزب الله وهي أنه بعد دخوله إلى سوريا توسع في عضوية المجندين في سوريا وكذلك في لبنان وهو ما فتح باب تسرب بعض العناصر إلى داخل الحزب والتي تعمل مع الجيش الإسرائيلي وقامت بتجميع معلومات عن القيادات من خلال النقاش مع عناصر الحزب في الصفوف الوسطى والدنيا.

يشرح المصدر الإيراني أزمة التدخل الإيراني وكذلك حزب الله في سوريا وتأثيرها على البنية الأمنية لحزب الله، ويشير إلى أن الحزب تدخل في سوريا عسكريًا منذ عام 2012، وهو ما تسبب في استنزافه ماليًا وبشريًا وعسكريًا.

وقال إن الحزب لجأ إلى تعويض الأزمة في خسائره البشرية من خلال فتح مراكز تجنيد كبيرة في سوريا يقوم من خلالها بتجنيد الأشخاص، وهو الباب الذي كان سببًا في اختراق الحزب.

يشير إلى أن الحزب فتح أبوابه لدخول عشرات الآلاف من العناصر الجدد إليه وقد اخترق الجيش الإسرائيلي هذه العناصر، ما سمح للجيش الإسرائيلي بالحصول على كمية كبيرة من المعلومات ساعدته في الوصول إلى القيادات الأولى في الحزب.

كذلك قال إن عملية الاختراق طالت الصف الأول بالكامل بسبب الهواتف وأن الحزب حتى الآن لا يجد أي حل لهذه الأزمة لأنه حسب المصدر الإيراني حزب غير سري وبالتالي تحرك قياداته بسرية في لبنان سوف يواجه صعوبات كبيرة سواء الآن أو بعد ذلك.

تلعب تكنولوجيا المراقبة الإلكترونية دورًا حيويًا في هذه الضربات. وقد سبق أن قال الجيش الإسرائيلي إن لديه كاميرات أمنية وأنظمة استشعار عن بُعد مدربة على المناطق التي ينشط فيها حزب الله، وإنه يرسل بانتظام طائرات استطلاع دون طيار عبر الحدود للتجسس على خصومه وذلك وفق تقرير نشرته وكالة رويترز.

ويعتبر التنصت الإلكتروني الذي تقوم به إسرائيل -بما في ذلك اختراق الهواتف المحمولة وأجهزة الحاسوب- على نطاق واسع من بين أكثر العمليات تطورًا في العالم، بحسب التقرير.

إذ أن الهواتف المحمولة، التي يمكن استخدامها لتتبع موقع المستخدم، وبعد إدراك حزب الله لخطورتها تم حظرها من ساحة المعركة لصالح وسائل الاتصال القديمة، بما في ذلك أجهزة الاستدعاء والسعاة الذين يسلمون الرسائل الشفهية شخصيًا.

كذلك فإن حزب الله يستخدم أيضًا شبكة اتصالات ثابتة خاصة يعود تاريخها إلى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وفي حالة سماع المحادثات، يتم استخدام كلمات مشفرة للأسلحة ومواقع الاجتماعات، وإنه يتم تحديثها بشكل يومي تقريبًا وتسليمها إلى الوحدات عبر البريد السريع، بحسب تقرير رويترز.

كذلك فإن حزب الله بدأ يشتبه في أن إسرائيل تستهدف مقاتليه من خلال تتبع هواتفهم المحمولة ومراقبة لقطات الفيديو من الكاميرات الأمنية المثبتة على المباني بالمجتمعات الحدودية.

وفي 28 كانون الأول، حثّ حزب الله سكان الجنوب في بيان تم توزيعه عبر قناته على تليغرام على فصل أي كاميرات أمنية يمتلكونها عن الإنترنت. وبحلول أوائل فبراير/شباط، صدر توجيه آخر لمقاتلي حزب الله: ممنوع استخدام الهواتف المحمولة في أي مكان بالقرب من ساحة المعركة.

كذلك فإن مقاتلي حزب الله بدأوا في ترك هواتفهم خلفهم عندما نفذوا العمليات. وقال مسؤول آخر في المخابرات اللبنانية إن حزب الله يقوم في بعض الأحيان بإجراء عمليات تفتيش مفاجئة على الوحدات الميدانية لمعرفة ما إذا كان أعضاؤه يحملون هواتف أم لا.

وقال مصدران آخران إنه حتى في بيروت، يتجنب كبار السياسيين في حزب الله إحضار الهواتف معهم لحضور الاجتماعات.

وقد سبق أن حزب حسن نصر الله في خطاب متلفز له في 13 شباط 2024، أنصاره من أن هواتفهم أكثر خطورة من جواسيس إسرائيليين، قائلاً إن عليهم كسرها أو دفنها أو حبسها في صندوق حديدي.

في بداية نشأة حزب الله المبكرة أنشأ الحزب جهاز أمني أُطلق عليه "جهاز أمن المقاومة" وقد كانت إيران تدعم هذا الجهاز بكل قوة من خلال التدريب وتبادل الخبرات وينقسم جهاز أمنه، إلى وحدات وأقسام مثل الأمن والمعلومات التي تعمل على متابعة القنوات الدبلوماسية والسياسية والعلاقات مع فصائل المقاومة الفلسطينية والكيانات الأخرى في لبنان، وهذه الوحدة أشرف عليها القيادي الراحل إبراهيم عقيل.

كما أن هناك قسمًا للأمن الاستراتيجي الذي يتولى جمع المعلومات عن أعداء الحزب في المنطقة وهذا القسم فيه وحدات ارتباط بدول تتعامل مع حزب الله مثل إيران ودول في أميركا اللاتينية وأفريقيا.

وينضوي تحت جهاز الأمن قسم الأمن الخارجي الذي يضم الوحدة الإلكترونية المعنية بأمن الاتصالات وعمليات المراقبة والتنصت ومراقبة الاتصالات وكذلك عمليات الاختراق للهواتف وأجهزة الحاسوب.

وتؤدي الأقسام السابقة مهمة ودور الاستخبارات الهجومية فيما يلعب قسم الأمن الوقائي دور الاستخبارات الدفاعية التي تعمل على تأمين الحزب ومكافحة التجسس ويتولى أيضًا تأمين قادة حزب الله.

يعتمد حزب الله على سبع طرق رئيسية لجمع المعلومات الاستخبارية، منها: الاستخبارات العملياتية لدعم هجماته، الاستخبارات المضادة لحماية التنظيم من الاختراق، النشاطات الدبلوماسية والتجارية لإخفاء نشاطه، اختراق المجموعات المعارضة، التخطيط اللوجستي لهجمات مستقبلية، تجنيد العملاء، واغتيال الخصوم.

تطورت قدرات حزب الله الاستخباراتية على مر العقود، حيث استفاد من التكنولوجيا المتقدمة مثل الطائرات المسيّرة والسيبرانية لاعتراض الاتصالات والتجسس على المكالمات الهاتفية.

يعتمد بشكل كبير على الاستخبارات البشرية، يقوم بتجنيد العملاء داخل إسرائيل لجمع المعلومات وتسهيل العمليات. يعود تطوير حزب الله لهذه القدرات إلى فترة ما بعد اتفاق الطائف في عام 1989، حيث أنشأ عدة وحدات استخباراتية مثل "وحدة مكافحة التجسس"، و"وحدة الاستخبارات الأمنية والعسكرية" التي تركز على الشبكات العملياتية داخل لبنان، بالإضافة إلى "الوحدة 910" التي تنشط في الخارج وتقوم بتجنيد العملاء وتنفيذ العمليات الاستخباراتية. حزب الله

هي وحدة نخبوية تابعة لحزب الله اللبناني، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بإبراهيم عقيل، الذي يُعتقد أنه كان قائدها الفعلي حتى قُتل في 20 أيلول 2024. تعتبرها إسرائيل إحدى أهم الوحدات القتالية لحزب الله المُدرَّبة بشكل جيد والمجهزة بترسانة ضخمة من الصواريخ والأسلحة الأخرى.

تشكلت "قوة الرضوان" بشكل غامض نسبيًا وأخذت اسمها من الاسم الحركي لزعيم حزب الله السابق عماد مغنية، الذي اغتيل في سوريا عام 2008. تحت قيادة مغنية، لعبت الوحدة دورًا رئيسيًا في عمليات حزب الله، بما في ذلك اختطاف جنود إسرائيليين عام 2006، مما أدى إلى اندلاع حرب لبنان الثانية.

كانت "الوحدة 1800" مسؤولة عن الأنشطة الاستخباراتية والعملياتية في البلدان المجاورة لإسرائيل، بما في ذلك بين الفلسطينيين. لاحقًا، تم تطوير الوحدة 133 التي تركز على شن هجمات داخل إسرائيل وجمع المعلومات الاستخبارية اللازمة لتلك العمليات.

جدير بالذكر أن صحيفة " واشنطن بوست"، قد سبق أن قالت إن عمليات الاغتيال التي طالت كبار القادة العسكريين في حزب الله في الأيام الأخيرة، والتي بلغت ذروتها بالضربة التي قتلت نصر الله، قد أدت إلى القضاء على جيل كامل من الخبرة التي اكتسبها حزب الله منذ الأيام الأولى لتأسيسه كقوة حرب عصابات في ثمانينيات القرن العشرين.

"حصان طروادة" الالكتروني

بدأت استعدادات الموساد لتفخيخ أجهزة النداء (البيجر) التي استهدفت عناصر حزب الله، في العام 2022، أي قبل أكثر من عام من هجوم "طوفان الأقصى" الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر. وتسبب تفجير الموساد لأجهزة البيجرز، في 17 أيلول/سبتمبر الفائت، بإصابة حوالي 3000 ضابط وعضو في حزب الله وعدد غير معروف من المدنيين في آن واحد، حسبما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" في تقرير نشرته اليوم، الأحد.

وعمل الموساد لسنوات على اختراق حزب الله من خلال المراقبة الإلكترونية والجواسيس، وبمرور الوقت، أدرك قادة حزب الله تعرضه للمراقبة والاختراق الإسرائيليين، وأن الهواتف المحمولة العادية قد تتحول إلى أجهزة تنصت وتتبع خاضعة لسيطرة إسرائيلية.

وهكذا ولدت فكرة إنشاء نوع من حصان طروادة للاتصالات، حسبما نقلت الصحيفة عن مصادر إسرائيلية وأميركية وعربية، فيما كان حزب الله يبحث عن شبكات إلكترونية مقاومة للاختراق لنقل الرسائل.

وأضافت الصحيفة أن الموساد استخدم حيلتين من أجل دفع حزب الله إلى شراء أجهزة تبدو مثالية لهذه المهمة، وهي المعدات التي صممها الموساد وقام بتجميعها في إسرائيل.

وبدأ الموساد بإدخال الجزء الأول من الخطة، وهو أجهزة اتصال لاسلكية مفخخة، إلى لبنان من قبل الموساد منذ العام 2015. وكانت أجهزة الاتصال اللاسلكية المحمولة ثنائية الاتجاه تحتوي على حزم بطاريات كبيرة الحجم ومتفجرات مخفية ونظام إرسال أعطى إسرائيل إمكانية الوصول الكامل إلى اتصالات حزب الله.

ونقلت الصحيفة عن المصادر قولها إنه على مدى تسع سنوات، كان الإسرائيليون يتنصتون على حزب الله، مع الاحتفاظ بخيار تحويل أجهزة الاتصال اللاسلكية إلى قنابل في حالة حدوث أزمة مستقبلية.

بعد ذلك أنتج الإسرائيليون جهاز اتصال لاسلكي صغير مزود بمتفجرات قوية. وفي مفارقة لم تتضح إلا بعد أشهر عديدة، انتهى الأمر بحزب الله إلى دفع أموال غير مباشرة للإسرائيليين مقابل القنابل الصغيرة التي من شأنها أن تقتل أو تصيب العديد من عناصره.

ولأن قادة حزب الله كانوا على دراية بالتخريب المحتمل، فقد سعى في العام 2023 إلى شراء كميات كبيرة من أجهزة النداء التي تحمل العلامة التجارية التايوانية "أبولو"، وهي علامة تجارية معروفة وخط إنتاج يتم توزيعه في جميع أنحاء العالم ولا توجد روابط واضحة بينه وبين المصالح الإسرائيلية أو اليهودية. وقالت المصادر إن الشركة التايوانية لم تكن على علم بالخطة.

وجاء العرض لشراء هذه الأجهزة من مسؤولة تسويق موثوق بها لدى حزب الله ولها صلات مع "أبولو". وكانت المسؤولة التسويقية، وهي امرأة رفضت المصادر الكشف عن هويتها وجنسيتها، ممثلة مبيعات سابقة للشركة التايوانية في الشرق الأوسط والتي أسست شركتها الخاصة وحصلت على ترخيص لبيع مجموعة من أجهزة النداء التي تحمل علامة "أبولو" التجارية.

وخلال العام 2023، عرضت مسؤولة التسويق على حزب الله صفقة على أحد المنتجات التي تبيعها شركتها، وهو جهاز AR924 القوي والموثوق.

وقال مصدر إسرائيلي مطلع على تفاصيل العملية، إنه "كانت هي من تواصلت مع حزب الله، وأوضحت لهم لماذا كان جهاز النداء الأكبر حجمًا والمزود ببطارية أكبر، أفضل من الطراز الأصلي". وأضاف أن إحدى نقاط البيع الرئيسية لجهاز AR924 كانت أنه "من الممكن شحنه باستخدام كابل. وكانت البطاريات تدوم لفترة أطول".

وكما اتضح، فقد تم الاستعانة بمصادر خارجية لإنتاج هذه الأجهزة، ولم تكن المسؤولة التسويقية على علم بالعملية ولا بأن أجهزة النداء تم تجميعها فعليًا في إسرائيل تحت إشراف الموساد، وفقًا للمصادر المطلعة على هذه المؤامرة.

وكانت أجهزة النداء التي يمتلكها الموساد، والتي يزن كل منها أقل من ثلاث أونصات (الأونصة 30 غرام تقريبا)، تتضمن ميزة فريدة، وهي حزمة بطارية تخفي كمية ضئيلة من المتفجرات القوية، وفقًا للمصادر المطلعة على المؤامرة.

وأخفى الموساد مكونات القنبلة بعناية شديدة حتى أصبح من المستحيل اكتشافها تقريباً، حتى لو تم تفكيك الجهاز، حسبما قالت المصادر الإسرائيلية، التي تعتقد أن حزب الله قام بتفكيك بعض أجهزة النداء وربما قام بفحصها بالأشعة السينية.

كما كان الوصول عن بعد إلى الأجهزة من قبل الموساد غير مرئي. فقد كان من الممكن لإشارة إلكترونية من الموساد أن تؤدي إلى انفجار آلاف الأجهزة دفعة واحدة. ولكن لضمان أقصى قدر من الضرر، كان من الممكن أيضاً أن يتم إحداث الانفجار من خلال إجراء خاص من خطوتين للاطلاع على الرسائل الآمنة التي تم تشفيرها.

وقال أحد المصادر إنه "كان عليك الضغط على زرين لقراءة الرسالة"، ما يعني استخدام كلتا يديك، وأنه في الانفجار الذي قد يحدث بعد ذلك، من المؤكد تقريبا أن المستخدمين سوف "يجرحون بكلتا يديهم"، وبالتالي "سيكونون غير قادرين على القتال".

وفي 12 أيلول/سبتمبر الفائت، استدعى رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، مستشاريه الاستخباراتيين لعقد اجتماع لمناقشة التحرك المحتمل ضد حزب الله، بحسب مصادر إسرائيلية، وقدم الموساد لمحة أولى عن واحدة من أكثر عملياته السرية. وبحلول ذلك الوقت، كان الإسرائيليون قد وضعوا أجهزة اتصال مفخخة في أيدي وجيوب الآلاف من عناصر حزب الله.

وتحدث مسؤولون استخباراتيون إسرائيليون عن قلق مستمر منذ فترة طويلة، وهو أنه مع تصاعد الحرب الإسرائيلية في جنوب لبنان، تزايدت المخاطر من اكتشاف المتفجرات. وقد تسفر سنوات من التخطيط الدقيق والخداع عن نتائج سريعة.

وقالت مصادر إن نقاشا حادا اندلع في أجهزة الأمن الإسرائيلية. فقد أدرك الجميع، بما في ذلك نتنياهو، أن الآلاف من أجهزة النداء المتفجرة قد تلحق أضرارا لا توصف بحزب الله، ولكنها قد تؤدي أيضا إلى رد فعل عنيف، بما في ذلك ضربة صاروخية انتقامية ضخمة من جانب قادة حزب الله الناجين، مع احتمال انضمام إيران إلى المعركة.

وقال مسؤول إسرائيلي إنه "كان من الواضح أن هناك بعض المخاطر"، بينما حذر البعض، بما في ذلك كبار الضباط في الجيش الإسرائيلي، من احتمال حدوث تصعيد كامل مع حزب الله، في الوقت الذي يواصل فيه الجيش الإسرائيلي عملياته ضد حماس في غزة. لكن آخرين، وعلى رأسهم الموساد، رأوا فرصة لزعزعة الوضع الراهن "بشيء أكثر كثافة".

ووافق نتنياهو على تشغيل الأجهزة المفخخة، وعلى مدى الأسبوع التالي، بدأ الموساد الاستعدادات لتفجير أجهزة النداء وأجهزة الاتصال اللاسلكية التي كانت متداولة بالفعل. وفي الوقت نفسه، اتسع نطاق النقاش في المستويين السياسي والأمني الإسرائيليين، بشأن أن تشمل الحملة ضد حزب الله هدفاً آخر بالغ الأهمية، هو أمين عام الحزب، حين نصر الله.

وقالت المصادر إن الموساد كان على علم بمكان تواجد نصر الله في لبنان لسنوات وكان يتتبع تحركاته عن كثب. ومع ذلك، امتنع الإسرائيليون عن إطلاق النار، على يقين من أن الاغتيال سيؤدي إلى حرب شاملة مع الجماعة المسلحة، وربما مع إيران أيضًا.

في 17 أيلول/سبتمبر، وبينما كان النقاش محتدماً في أعلى دوائر الأمن القومي في إسرائيل حول ما إذا كان ينبغي اغتيال نصر الله، كانت آلاف أجهزة النداء التي تحمل علامة "أبولو" تدق أو تهتز في آن واحد، في مختلف أنحاء لبنان وسوريا. وظهرت على الشاشة جملة قصيرة باللغة العربية: "لقد تلقيت رسالة مشفرة".

واتبع عناصر حزب الله التعليمات بدقة للتحقق من الرسائل المشفرة، بالضغط على زرين. وفي المنازل والمحلات التجارية، وفي السيارات وعلى الأرصفة، كانت الانفجارات تمزق الأيدي وتدمر الأصابع. وبعد أقل من دقيقة، انفجرت آلاف أخرى من أجهزة النداء عن بعد، بغض النظر عما إذا كان المستخدم قد لمس جهازه أم لا.

وفي اليوم التالي انفجرت مئات من أجهزة اللاسلكي بنفس الطريقة، مما أسفر عن مقتل وإصابة المستخدمين والمارة.

استهداف الصف الثاني من القادة

وخلال الأشهر الأحد عشر التي مرت منذ أطلق حزب الله الصواريخ على إسرائيل في إظهار للتضامن مع حماس في غزة، قامت إسرائيل أيضاً باستهداف موكب من القادة الأقل رتبة في حزب الله أثناء اجتماعاتهم وأثناء تنقلاتهم، الأمر الذي أدى إلى إدراك حقيقة مفادها أن إسرائيل اخترقت شبكات الاتصالات التابعة لحزب الله بالكامل وربما أفرادها أيضًا.

في حين قالت صحيفة "التايم" البريطانية إن حزب الله قد عانى من انتكاسات رئيسية في الأسابيع الأخيرة. قبل اغتيال نصر الله، أدت سلسلة من الانفجارات الغامضة لأجهزة النداء واللاسلكي التي ألقي اللوم فيها على إسرائيل إلى مقتل وجرح مئات الأشخاص، وكثير منهم من أعضاء حزب الله. كما أدت الغارات الجوية الإسرائيلية إلى مقتل معظم كبار قادة المجموعة.

ولكن حزب الله استمر في إطلاق الصواريخ والقذائف على إسرائيل ولا يزال يُعتقد أن لديه آلاف المقاتلين بالقرب من الحدود الإسرائيلية.

جدير بالذكر أن حزب الله برز في ثمانينيات القرن العشرين في مناهضة وجود الجيش الإسرائيلي الذي احتل جنوب لبنان خلال الحرب الأهلية في البلاد بين عامي 1975 و1990.

عندما انسحبت القوات الإسرائيلية من لبنان في عام 2000، قال حزب الله إنه نجح في إخراجها، ويواصل معارضة الوجود الإسرائيلي في المناطق الحدودية المتنازع عليها.

في عام 2006، اندلعت حرب شاملة بين حزب الله وإسرائيل، نتيجة غارة قاتلة عبر الحدود نفذها حزب الله.

غزت القوات الإسرائيلية جنوب لبنان في محاولة للقضاء على التهديد الذي يشكله حزب الله. وقُتل نحو ألف مدني خلال الصراع، لكن حزب الله ادعى النصر ومنذ ذلك الحين زاد من عدد مُقاتليه وطور أسلحته.

وقد شارك حزب الله في الانتخابات الوطنية اللبنانية منذ عام 1992 وأصبح قوة سياسية كبرى.

وخسرت الجماعة وحلفاؤها أغلبيتهم في البرلمان في انتخابات عام 2022، لكن لم يتم تشكيل حكومة جديدة منذ ذلك الحين ولا يزال لديها وزراء في الإدارة المؤقتة.

وباعتبارها كيانًا سياسيًا قويًا، يدير حزب الله أيضًا المدارس والمستشفيات والمؤسسات الثقافية والجمعيات الخيرية في جميع أنحاء لبنان. ولدى حزب الله آلاف المقاتلين وترسانة صاروخية ضخمة في جنوب لبنان.

إنها واحدة من أكثر القوات العسكرية غير الحكومية تسليحًا في العالم، وهي مُمولة ومجهزة من قبل إيران.

وتقول المنظمة أن لديها 100 ألف مقاتل، على الرغم من أن التقديرات المستقلة تضع العدد بين 20 و50 ألف مقاتل والعديد منهم مدربون تدريباً جيداً ويتمتعون بخبرة في المعارك، وقد قاتلوا في الحرب الأهلية السورية.

ويُقدر عدد الصواريخ والقذائف التي يملكها حزب الله بنحو 120 ألفاً إلى 200 ألف، بحسب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.

ويتكون الجزء الأكبر من ترسانتها من صواريخ مدفعية أرض-أرض صغيرة غير موجهة. لكن يُعتقد أيضًا أنها تمتلك صواريخ مضادة للطائرات وصواريخ مضادة للسفن، بالإضافة إلى صواريخ موجهة قادرة على ضرب عمق إسرائيل.